ليس سرا ولا أمرا خافيا ذلك الانفتاح السعودي الهائل للابتعاث التعليمي إلى الخارج في البرنامج المعروف ببرنامج خادم الحرمين الشريفين، والذي تم إرسال فيه أكثر من 140 ألف طالب إلى عشرات الدول حول العالم. وهو برنامج غير مسبوق وطموح جدا في الآمال المعقودة عليه، ولكن هذا الانفتاح المحمود والذي طال انتظاره ويعمل بالحكمة الأزلية التي تقول «الحكمة ضالة المؤمن»، هذا الانفتاح يفرض سؤالا بديهيا ومنطقيا وهو لماذا يوجد خوف وقلق وهلع غير مبرر من السماح لجامعات عالمية عملاقة بفتح فروع كاملة لها في السعودية وخصوصا بعد هذا الانفتاح «عليهم» من قبلنا؟ الإقدام على بيوت التميز في المجالات المختلفة مسألة مطلوبة نراها في جلب العلامات التجارية الناجحة في قطاعات الأطعمة والمشروبات والمستشفيات والفنادق، فتزدحم الأسواق والشوارع بأهم الفروع لهذه الماركات العالمية وتلقى القبول والنجاح الشعبي الذي لا يمكن إنكاره ولا التغاضي عنه. وبنفس القاعدة من الممكن التفكير في جلب أهم الكليات والجامعات الدولية من مختلف دول العالم، جامعات أمريكية في مجالات الطب وجامعات ألمانية في مجالات الهندسة وجامعات يابانية في مجالات التقنية العالية وجامعات إيطالية في مجالات التصميم وهكذا. الخوف والهلع والقلق المرتبط بمسألة الموافقة على الترحيب بجامعة عالمية في السعودية بات مسألة سخيفة ومضحكة وساذجة، فلا يمكن من جهة أن نقول إننا جزء حيوي من العالم وأعضاء في منظماته وهيئاته ومؤسساته ومن أهم 20 دولة اقتصادية في العالم، ومن جهة أخرى نتحفظ على أن نكون «جزءا» من هذا العالم بمنظوماته التعليمية (خارجيا كما داخليا) بحيث لا يكون هناك ازدواجية ولا أي تناقض في قناعاتنا التي نروج لها لأنه لم يعد من المقنع ولا اللائق الاستمرار في ترديد مقولة «نحن لنا خصوصيتنا» والتي استحدثت لسنوات طويلة من قبل المتحفظين على الانفتاح على العالم ذريعة لسد كل حميد ومرغوب ومطلوب، فهذه المقولة لم تعد مقنعة للآخرين ولا للسعوديين أنفسهم. من المطلوب إعداد خطة جادة لجذب هذه النوعية من بيوت العلم إلى السعودية والسماح للقطاع الخاص بالاستثمار الجاد فيها عبر إطلاق سلسلة عظيمة من التشريعات المرحبة والخلاقة التي تيسر وتحسن الظن بلا قيود ولا شروط ولا عراقيل ولا روتين منفر، إذ إن التعليم قطاع واعد ومطلوب ومجد متى ما تم التعامل معه كفرص استثمارية وليس فقط كمبان وموارد بشرية. فالإقدام المطلوب على جلب عمالقة التقنية والصناعة للمشاركة الاستثمارية في السعودية من أمثال جنرال إليكتريك وهيونداي وتويوتا مطلوب أن تحصل نفس الإثارة والحماس لجلب كبرى الجامعات من أمثال السوربون وكيوتو وستانفورد وغيرها من حول العالم المفتوح. التعليم العالي العالمي ليس مطلبا للرفاهية ولكنه يجب اعتباره من الأساسيات التي يتم فيها الاستثمار في الإنسان وإعداده بشكل صحيح لمواجهة المستقبل والعالم. وفتح فروع لجامعات عظيمة من حول العالم كفيل بأن يكتب لبرنامج الابتعاث العظيم استمرارية لنفس الأهداف على أرض الوطن، وفي ذلك ميزة عظيمة يعرفها كل من استشعر بالقيمة التي نتحدث عنها. كل الأمل أن يلقى هذا الموضوع الجدية الحقيقية من الجهات المعنية ويتم طرح مبادرة تليق به.